Description
ينابيع طفولته الطرية.
أقصى ما يتمنى حلوى يلتقها، أو قطعة بسكوت يتملاها قبل أن يقضمها، أما الكاكو فلم يكن له وجود في عالمه! وحب وحنان من تلك الأم الرؤوم، وهناك الفوز الأعظم حين يرتمي في حضنها الدافئ قبل إخوته ليمتله بالكامل، وينتشي بإبتسامة عذبة، حينما تُتَمْتِمْ بأدعية لا يفهمها، ولكنه واثق أنها حتماً تدعو له بخير، وتدبر أموره على خير…
في الخامسة انتبه إلى أن هناك رجلاً في الدار يجب أن يجوز على إعجابه ورضاه، ويثبت أمامه رجولته، وكم كان يعجبه أن يبدو كوالده رجلاً، وهو رجل بسن الخامسة، غترته الطويلة تصل أطرافها إلى الكعبين، كثوب، ربما يتسلل للدكان، حيث الرجال، والحلوى، والحب، حلم بدأ بأمه، ثم بوالده، ثم به، حيث ينمو وينمو، ينمو حلمه، يكبر ويكبر معه تماماً، كقذف حجر في بحيرة، دوائر تحيط بنقطة السقوط صغيرة، تكبر تباعاً، وربما تحور الحلم، أو تبلور، أو تغير حسب مراحل حياته…جدران بيتهم الصغير لم تعد حدوداً لذاك الحلم فقط، نما وخرج إلى الشارع، ثم الرفاق، فالحارة.
فالمدرسة… فالمركز… اتّسع وتشعب كشعاع شمس… من حول يثني على لغته، وحفظه، لكن الأفكار كانت عاجزة عن فهم ماهية قدراته… إيحاء الفكرة اخترق حلمه، فشعر بالتميز، وانطلق نحو الأفق، ذاك الإحساس المشع يجب أن لا يهمل، وهو دافع لإلهاب الخيال اليافع تجاه مستقبل تخبئه الأيام الحبلى… عقله يسابق جسده في النمو، لدرجة أنه ربما إغتال لهو الطفولة البريء، إلى جد الرجولة الجريء…
ذاك الطفل الذي أراد أن يصبح رجلاً موزون الكلمة، عالي الهمة… لم يلزم نفسه بأكبر من طاقتها… حدّد أهدافه… فمن لا يعرف إلى أين يتجه قد تنتهي به خطواته إلى ما لا يجب أن يكون ولا يستمتع بما وصل إليه… ينظر إلى ماضيه وحاضره ومستقبله، فيرى أنه في مرحلة الحضانة، لم يعلم أنه سيكون ذلك الصبي في الإبتدائية، وفي المتوسطة، لم يعلم أن ذاك الفتى سيكون فتى النشاط والتوهج في الثانوية، وإن كان يحلم بأن يكون…
من تجربته الصغيرة آمن بطفولة القلب، ولم يؤمن بطفولة العقل… وهكذا ورغم مرور السنين بقي “سليمان العودة” هو هو… وكلما بعدت المسافة وطال المشوار… يتوسد منتصف عمره وأكثر… ليعود بذاكرته الخمسينية طفلاً يجتر أفراحه، أوقد منارة الفجر في قريته الصغيرة ثم رحل، ظل يحمل حقيبة الزمن، وتكبيل الرقائق، ليسافرا معاً في ذاكرة الكتابة…
ست سنوات وهو يقلب شواهده، يصالح ذاته، يطمعها الوحدة والجوع والغربة، يسكنها الممرات البعيدة… أقبية الوحشة… منافي الألم… أم رحلت… عصفور مات فجراً… جموع ألفت صوته وألف حضورها… الأصدقاء ورائحة خبز الطفولة… ست سنوات يكتب… وفي ذيل الصفحة… الرياض… القصيم… جدة… لندن… دبلن… القاهرة… الدوحة… الرباط… طرابلس… أخيراً دبي…
وبقيت المدن ظامئة ست سنوات لم تطوقه مساحة محسوبة في (الإسلام اليوم) مجلة وموقعاً كان يرسم مساحته بأنهار ذاكرته، والمساحة تتغير بداناته الموجعة بين دفتي هذا الكتاب تم جمع شتات مقالاته تأملاته ذكرياته التي تآخت تحت “طفولة قلب”.
تتسلل النفس بعيداً على قرب، تحاول إستعادة تلك الأطلال الساكنة، ويتقافز القلب كأيل صغير، يلجم القلم أمام هديل مشاعر ينفثها ماضٍ جميل، خمسة وأربعون عاماً مضت، والمشهد قرية هادئة، وطفل صغير يجعل ثلاث سنوات من عمره… صبي يقفز مع الصغار، وأحياناً يزاحم الكبار، يبحث عن رغبات وأمنيات تنساب في أقصى ما يتمنى حلوى يلتقها، أو قطعة بسكوت يتملاها قبل أن يقضمها، أما الكاكو فلم يكن له وجود في عالمه! وحب وحنان من تلك الأم الرؤوم، وهناك الفوز الأعظم حين يرتمي في حضنها الدافئ قبل إخوته ليمتله بالكامل، وينتشي بإبتسامة عذبة، حينما تُتَمْتِمْ بأدعية لا يفهمها، ولكنه واثق أنها حتماً تدعو له بخير، وتدبر أموره على خير…
في الخامسة انتبه إلى أن هناك رجلاً في الدار يجب أن يجوز على إعجابه ورضاه، ويثبت أمامه رجولته، وكم كان يعجبه أن يبدو كوالده رجلاً، وهو رجل بسن الخامسة، غترته الطويلة تصل أطرافها إلى الكعبين، كثوب، ربما يتسلل للدكان، حيث الرجال، والحلوى، والحب، حلم بدأ بأمه، ثم بوالده، ثم به، حيث ينمو وينمو، ينمو حلمه، يكبر ويكبر معه تماماً، كقذف حجر في بحيرة، دوائر تحيط بنقطة السقوط صغيرة، تكبر تباعاً، وربما تحور الحلم، أو تبلور، أو تغير حسب مراحل حياته…جدران بيتهم الصغير لم تعد حدوداً لذاك الحلم فقط، نما وخرج إلى الشارع، ثم الرفاق، فالحارة.
فالمدرسة… فالمركز… اتّسع وتشعب كشعاع شمس… من حول يثني على لغته، وحفظه، لكن الأفكار كانت عاجزة عن فهم ماهية قدراته… إيحاء الفكرة اخترق حلمه، فشعر بالتميز، وانطلق نحو الأفق، ذاك الإحساس المشع يجب أن لا يهمل، وهو دافع لإلهاب الخيال اليافع تجاه مستقبل تخبئه الأيام الحبلى… عقله يسابق جسده في النمو، لدرجة أنه ربما إغتال لهو الطفولة البريء، إلى جد الرجولة الجريء…
ذاك الطفل الذي أراد أن يصبح رجلاً موزون الكلمة، عالي الهمة… لم يلزم نفسه بأكبر من طاقتها… حدّد أهدافه… فمن لا يعرف إلى أين يتجه قد تنتهي به خطواته إلى ما لا يجب أن يكون ولا يستمتع بما وصل إليه… ينظر إلى ماضيه وحاضره ومستقبله، فيرى أنه في مرحلة الحضانة، لم يعلم أنه سيكون ذلك الصبي في الإبتدائية، وفي المتوسطة، لم يعلم أن ذاك الفتى سيكون فتى النشاط والتوهج في الثانوية، وإن كان يحلم بأن يكون…
من تجربته الصغيرة آمن بطفولة القلب، ولم يؤمن بطفولة العقل… وهكذا ورغم مرور السنين بقي “سليمان العودة” هو هو… وكلما بعدت المسافة وطال المشوار… يتوسد منتصف عمره وأكثر… ليعود بذاكرته الخمسينية طفلاً يجتر أفراحه، أوقد منارة الفجر في قريته الصغيرة ثم رحل، ظل يحمل حقيبة الزمن، وتكبيل الرقائق، ليسافرا معاً في ذاكرة الكتابة…
ست سنوات وهو يقلب شواهده، يصالح ذاته، يطمعها الوحدة والجوع والغربة، يسكنها الممرات البعيدة… أقبية الوحشة… منافي الألم… أم رحلت… عصفور مات فجراً… جموع ألفت صوته وألف حضورها… الأصدقاء ورائحة خبز الطفولة… ست سنوات يكتب… وفي ذيل الصفحة… الرياض… القصيم… جدة… لندن… دبلن… القاهرة… الدوحة… الرباط… طرابلس… أخيراً دبي…
وبقيت المدن ظامئة ست سنوات لم تطوقه مساحة محسوبة في (الإسلام اليوم) مجلة وموقعاً كان يرسم مساحته بأنهار ذاكرته، والمساحة تتغير بداناته الموجعة بين دفتي هذا الكتاب تم جمع شتات مقالاته تأملاته ذكرياته التي تآخت تحت “طفولة قلب”.